تستوجب المُقاربة البحثيّة العلميّة لدراسة ظاهرة ما التطرّق إليها من جميع الجوانب، بغرض معرفتها وفهمها، خاصة إذا كانت ظاهرة متزايدة ومستفحلة كظاهرة الإدمان على المخدرات عند الشباب. ويظهر لنا أنّ المُقاربة الميدانيّة – الأمبريقية هي المُكمّلة للمقاربة النظريّة، والتي قد تدلّنا بكثافة على الظاهرة، ذلك لأنّ الواقع الميداني هو المُخزّن الجوهري للحقائق ذات العلاقة بها، وفي نفس الوقت هو الواقع الذي يُشكّلُ مصدر المعرفة المنشودة، المعرفة التي تركّزُ على السمات النفسُ دينامية للشباب المدمن على المخدرات، ثم حقيقة المعاش النفسي والاجتماعي لهذه الفئة من المجتمع. ولقد ركّزت الكثير من محاولات الدراسة لمعرفة واقع هذه الظاهرة، على الجانب الإحصائي منها، وهي الدراسات التي قدّمتها مصالح الشرطة والجمارك والدرك، أو ما تسجله المؤسسات الصحيّة. ولغرض الإحاطة العلميّة لهذه الظاهرة في الجزائر، جاءت أول دراسة وطنية قام بها الديوان الوطني لمكافحة المخدرات، والديوان الوطني للدراسات والتحاليل في مجال السكان والتنمية، (2010 , (CENEAP والتي أجريت على عينة تقدر بـ48700 شخص، موزعون على 46 ولاية، وتتراوح أعمار العينة من 12 سنة الى 40 سنة فما فوق. ولقد هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على مدى انتشار المخدرات عند جميع الفئات السكانية، وعلى نوعية المخدرات المستهلكة، وكذلك التعرف على عوامل الخطورة، والآثار النفسية والاجتماعية، ولقد بينت الدراسة أن الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الإقبال على الإدمان على المخدرات عند الشباب هي: محاربة القلق، التخفيف من الألم المعنوي، والهروب من الواقع وملأ الفراغ المُعاش؛ و هذا ما يؤكد على أهمية الجانب الاجتماعي والجانب النفسي للشباب عند إقباله على المخدّرات، أثناء تناوله وبعد تناوله لها. من أجل ذلك أردنا القيام بدراسات ميدانية للظاهرة تكون ضمن إطار علمي و مستقاة من الواقع، تكون عبارة عن دراسات حالات قد تُمكننا من وضع تصور نفسي واجتماعي للإدمان انطلاقا من المدمن نفسه على أرض الواقع، ومن ثم قد تسمح لنا بوضع استراتيجيات وقائية وعلاجية مناسبة، خاصة ضمن التصور الذي ينظر إلى ظاهرة الإدمان على أنها ظاهرة اجتماعية انحرافية من جهة، وأنها كذلك ظاهرة مرتبطة بالمعاش النفسي العميق للمدمن الذي يُجسّدُ فرضا شخص يعاني ويبحث عن حل لمعاناته النفسية والاجتماعية.