Options d’inscription

المحاضرة السابعة

الأسلوب عند النقاد والبلاغيين .

أولا عند القدماء:

يتفق معظم النقاد والبلاغيين أن الأسلوب هو طريقة تعبيرى ومنهج تأليف وكيفية آداء، إلا أن نظرتهم إلى هذا المفهوم ىمتعددة الأوجه والزوايا، وكل منهم يربطه بجانب معين من اللغة أو فرع منها، ويمكن أن نصنف هذه الرؤى إلى ثلاث فئات رئيسة هي:

-  الأسلوب / الفن : يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الأسلوب فن، فيركزون على الطريقة في التعبير، والكيفية في الأداء، ةوالأداء الفني في هذا المقام لا يقصد به العناصر الجزئية للتأليف فحسب، وإنما القالب العام الذي يظهر به النصى ويتشكل وفقه ومن هؤلاء، ابن رشيق، وابن خلدون، وابن قتيبة، والخطابي، ونمثل لهذا الاتجاه بمفهوم الأسلوب عن الخطابي .

الأسلوب عند الخطابي : يرى الخطابي أن الأساليب تختلف، ىوسبب اختلافها هو تعدد الموضوعات، فالأساليب تتعدد بتعدد ىالموضوعات التي يطرقها المؤلف، ويرى الخطابي أن الموضوع هو الذي يحدد الأسلوب اللائق به، وقال بأن الموضوع يتعدى الأسلوب الواحد، ومن هذا المبدأ استمد النقد قوته بأن ميز بين الشعراء في الموضوع الواحد فيحكم بجودة أحدهما على الآخر، ويذكر الخطابي في هذا الشأن :"وهاهنا وجه آخر يدخل في هذا الباب وليس بمحض المعارضة، ولكنهى نوع من الموازنة بين المعارضة والمقابلة، وهو أن يجري أحد الشاعرين في أسلوب من أساليب الكلام، وواد من أوديته فيكون أحدهما أبلغ في وصف ما كان بباله من الآخر في نعت ما هو بإزائه، وذلك مثل أن تتأمل شعر أبي دوّاد الأيادي والنابغة الجعدي في صفة الخيل، وشعر الأعشى والأخطلىونعت الخمر... فإن كل واحد منهم وصّاف لما يضاف إليه من أنواع الأمور فيقال فلان أشعر في بابه ومذهبه من فلان في طريقته التي يذهبها في شعره ".  يركز الخطابي في قوله هذا على الطريقة الفنية التي يصاغىبها الموضوع، أي الكيفية التي ينسج بها الشاعر موضوعه، ىكما أنه دقق في التفاصيل التي يتفاوت فيها الشعراءى وطبقا لكيفية الآداء تتم المفاضلة بينهم، وبذا نخلص إلى أنى الأسلوب عند الخطابي هو براعة الكاتب أو الشاعر في نسج ىموضوع معين.

  الأسلوب / النظم: يتمثل رأي أصحاب هذا الاتجاهىأساسا في تشكل العبارة وكيفيتها، وحاولوا إبراز مقاييس ىالجودة التي تبنى عليها الأعمال الأدبية والإبداعية كالخطابة والشعر وشروط تأليفها كما تطرق عدد منهم إلى قضية ىالإعجاز القرآني معتمدين في ذلك على دراسة نظمه وإظهارىاختلافاته عن سائر كلام العرب، ومن هؤلاء الجاحظ وعبد القاهر الجرجاني.ى الأسلوب عند الجاحظ : ركز الجاحظ في حديثه عن النظم على اهمية اللفظة ورأى بأنها العنصر الفاعل في العملية الشعرية من مبدأ فصاحتها، وجرسها ومعجمها وإيحاءاتها وحسن تناسقها مع الكلمات المجاورة لها، ونبه الجاحظ إلى أهمية تخيّر الألفاظ بما يخدم المعاني، كما في نظم الخطابة، يقول:"رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخيّر اللفظ". 2 وقد جعل الجاحظ تخير اللفظ في الدرجة الأولى، و جعل دور المعاني ومكانتها في مرحلة تالية لها" ... والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي، إنما الشأن في إقامة الوزن، وتميز اللفظ، وسهولته، وسهولة المخرج، وفي صحة الطبع وجودة السبك" 3 . إن المعاني والدلالات مشتركة بين جميع المبدعين، فلا تفاضل بينهم في هذا المستوى، وإنما تمايز الشعراء يكمن في كيفية استغلال الطاقات اللغوية من حيث اختيار الألفاظ المناسبة والتراكيب والصيغ، وجعل باطن النص ومعانيه مرتبط باستقامة ظاهره من الألفاظ والتراكيب. إن النظم عند الجاحظ، يخص أسلوب الشعر وما يتعلق به من خصائص مقارنة بأشكال أخرى من الخطابات معتمدا على ركنين أساسيين في ذلك :

- اللفظة المفردة بشروطها.

- الوزن الذي يتحكم في الصورة العامة للتركيب .

3 الأسلوب/ البلاغة : -

هناك من الدارسين من ربط مفهوم الأسلوب بالجانب البلاغي والدلالي، واهتم بتشكل المعاني وتناسقها، فالاختلاف والتباين بين المبدعين يكمن في الجوانب البلاغية، وضمن هذا الاتجاه نجد ابن الأثير، وأبا حيان التوحيدي، إذ يقول عند عرضه لأصناف الناس وفق قدراتهم العقلية :"وكل صنف من هؤلاء مراتبهم مختلفة، وإن كان الوصف قد جمعهم باللفظ وهذا كما تقول: الملوك ساسة، ولكل واحد منهم خاصة، وكما يقولون: هؤلاء شعراء، ولك واحد منهم بحر، وهؤلاء بلغاء، ولكل واحد منهم أسلوب، وكما تقول: علماء، ولكل واحد منهم مذهب". إن أبا حيان يخصص مصطلح الأسلوب للكلام البليغ من نثر وشعر، والشعر الجيد لا ينظر إليه فقط من أوزانه وألفاظه، وإنما ينظر إليه من بلاغته في معانيه. نخلص في الأخير إلى أن النقاد اتخذوا الأسلوب قضية فنية يفاضلون بين الشعراء من خلالها، وأما البلاغيون فقد ربطوا الأسلوب بالكلام البليغ من نثر وشعر .

ثانيا عند المحدثين:

معظم الدارسين المحدثين سلموا بوجود الأسلوب، إلا أنهم لم يتفقوا على تحديده وتحديد الإطار النظري الذي تتم دراسته في نطاقه، "وليس هناك تعريف واحد للأسلوب يتمتع بالقدرة الكاملة على الإقناع، ولا نظرية يجمع عليها الدارسون في تناوله" 5، حيث نجد بعض الدارسين نظروا للأسلوب من حيث تعلقه بالباث أو المرسل، وبعضهم علق الأسلوب بناصية النص ولغته والإمكانات الاختيارية التي يقدمها، وما يحمل من شحنات، وآخرون اعتبروا الأسلوب متعلق بالمتلقي، وتبعا لتعدد وجهات النظر تعددت مفاهيم الأسلوب نذكر منها:

- الأسلوب /الباث: ينظر أصحاب هذا الاتجاه إلى أن الأسلوب هو موقف يتخذه صاحب النص نحو موضوع معين، فيعبر عنه باللغة التي تتشكل بنظام خاص له طرائقه وكيفياته المحددة فينتج نصا . إن أسلوب الكاتب أو الشاعر أو الخطيب نتيجة طبيعية لمواهبه وصورة لشخصيته هو...استمده من نفسه وصاغه بلغته وعباراته، دون تقليد سواه من الأدباء لأن كل أسلوب صورة خاصة بصاحبه تبين طريقة تفكيره وكيفية نظره إلى الأشياء، وتفسيره لها وطبيعة انفعالاته هي أساس تكوين الأسلوب" 6، ولعل ذلك راجع إلى أن عملية الإنشاء تبدأ بوجود مثيرات أو انفعالات نابعة من ذات المنشئ، وقد تكون خارجية فرضتها البيئة المحيطة، هذه المحركات تتحول إلى أفكار في ذهن صاحبها، ثم تترجم إلى أقوال وعبارات تشكل أسلوب الباث . وهكذا تتنزل نظرية تحديد الأسلوب منزلة لوحة الإسقاط الكاشفة لمخبآت شخصية الإنسان ما ظهر منها في الخطاب وما بطن، وما صرّح به وما ضمّن، فالأسلوب جسر إلى مقاصد صاحبه من حيث إنه قناة العبور إلى مقومات شخصيته لا الفنية فحسب بل الوجودية مطلقا. واستنادا لآراء هذا الاتجاه فإنه من المؤكد أن تتفرد الأساليب تبعا لاختلاف السمات الذهنية والانفعالية لدى المنشئين "فكل منشئ يمتلك عالما من المعاني والأخيلة، وطريقة في الصياغة والتعبير مما يجعل له في النهاية – - شخصيته الأسلوبية ذات السمات والملامح المتميزة التي تميزه عن نظرائه من المنشئين"  . وعلى هذا الأساس فإن الأسلوب يعبر تعبيرا كاملا عن شخصية صاحبه، فيعكس أفكاره، ويظهر صفاته الإنسانية التكوينية والإبداعية .

- الأسلوب/ النص

تستند العملية الإبداعية في تشكيلها إلى ثلاث دعائم، هي المخاطِب والمخاطَب والخطاب، وتتشكل هذه العناصر وفق قاعدة التكامل. ويفرق علماء الأسلوب الذين يحددون الأسلوب من زاوية النص بين وضعين للغة هما : وضع معجمي ثابت، ووضع استعمالي متغير. ولعل هذا المبدأ يقودنا إلى ثنائية دوسوسير اللغة والكلام حيث يشتمل مستوى اللغة على قواعد نسقية وهي ذات طبيعة مجردة وثابتة، بينما يمثل مستوى الكلام اللغة حيث توظف أو تمارس عند الأشخاص.ومن هذا المستوى الأخير يمكن أن نميز مستويين من الاستخدام اللغوي هما:

استخدام اتصالي عادي: يؤدي وظيفة نفعية. - استخدام اتصالي جمالي: يؤدي وظيفة نفعية إمتاعية، ومن المؤكد أن "ثمة فرق بين الخطاب العادي والخطاب الأدبي، فأولهما يعتمد على المباشرة...ويهدف إلى التبادل النفعي، ويتسم هذا المستوى من الاستخدام بمحدودية معجمه، إذ ليس في ألفاظه الجديد...أما الخطاب الأدبي فيصدر عن ملَكة عند منشئه، ويسعى إلى أن يمس إحساس متلقيه مسًّا، سامعا كان أم قارئا، كما يتميز أن ألفاظه مختارة ومفرداته منتقاة ومعانيه مبتكرة، قد يفهمه متلقيه دون عناء، وقد يحتاج لفهمه ولبيان ما يراد به إلى إمعان الفكر وإعمال العقل"  . وبهذا فإن أصحاب هذا الاتجاه ينظّرون للأسلوب على أنه نوع من الخطاب الفني، يتشكل من وحدات مختلفة نحوية وصرفية ومعجمية، وشرط فنيته أن يخرج هذا التشكيل عن المألوف والنمطية، وذلك "بأن يبتكر صيغا وأساليب جديدة، أو يستبدل تعبيرات جديدة ليست شائعة بأخرى قديمة، أو يقيم نوعا من الترابط بين لفظين أو أكثر، أو يستخدم لفظا في غير ما وُضع له..

-الأسلوب /المتلقي: -

يعد الأسلوب عند أصحاب هذا التيار انزياحا )اختياريا(، ويكون هذا الانزياح مصحوبا بشحنات ناجمة عن قوة الضغط الممارس من طرف اللغة، من أجل تطوير ذاتها، يقول ريفاتير في تعريفه للأسلوب: "هو ذلك الإبراز الذي يفرض على انتباه القارئ بعض عناصر السلسلة التعبيرية" ويضيف فيقول:"أعني بالأسلوب الأدبي كل شكل ثابت فردي ذي مقصدية أدبية" ، والشكل الثابت عنده يعني "ثبات الخصائص الشكلية التي تميز كل عمل أدبي  وأما المقصدية فهي "لا تعني بالضرورة تلك الحمولة الدلالية، بل كل مقصدية تجد في النص بعض ما يبررها على مستوى وحداته البانية، أي تلك الحمولة الجمالية"  . من هذا التعريف ندرك الأهمية التي أولاها ريفاتير للقارئ  وجعله عنصرا مشاركا في عملية التسنين، وأساسيا في عملية التفكيك، وذلك بعدم تجاوز القارئ ذلك البروز لأن في ذلك تشويه لمقصدية النص، وإلزامية الوقوف عنده لاكتشاف أبعاده الدلالية وسماته الجمالية. وقد ترتب عن استخدام القارئ النموذجي فكرة أساسية مفادها أن النص رغم طابعه القار شكلا )لغة( إلا أنه متغير من الناحية الأسلوبية، فما استحسنه قارئ في فترة زمنية محددة نتيجة منبهات أسلوبية أثارته، قد يستهجنه قارئ آخر في فترة زمنية لاحقة بسبب عدم قدرة النص الحفاظ على منبهاته الأسلوبية، كما أن النص أيضا قادر على خلق سمات أسلوبية مؤثرة حينا آخر مما يعني أن أسلوب النص متغير ومتحرك على الدوام.

المراجع

1--فتح الله أحمد سليمان : الأسلوبية مدخل نظرية ودراسة تطبيقية، دط، مكتبة الآداب، القاهرة، 2004 ص - 17

2- فتح الله أحمد سليمان : الأسلوبية مدخل نظرية ودراسة تطبيقية، ص - 20 .

3- المصدر نفسه: ص - 21 .

3-  ميكائيل ريفاتير: معايير تحليل الأسلوب، ترجمة وتقديم وتعليق: حميد لحميداني، دار النجاح الجديدة، -

الدار البيضاء، المغرب، ط 1 ، 1993

4-صلاح فضل: الأسلوب مبادئه وإجراءاته، دار الشروق، القاهرة، ط  1،1998،ص 95.

 


Auto-inscription (Étudiant)
Auto-inscription (Étudiant)