نموذج أسطوري في الأدبين الغربي والعربي
ملخص الأسطورة
حكاية فنان من قبرص يدعى 'بيجماليون' هام بتمثال من صنعه لامرأة بارعة الجمال فرجا أفروديت آلهة الحب(فينوس آلهة الحب الرومانية) ،أن يتزوج من امرأة تشبه التمثال ففعلت أكثر من ذلك ووهبت التمثال نفسه الحياة ،وسمى التمثال الحي 'جالاتيا'،وتزوجها وتتحول بعد ذلك لمجرد زوجة و امرأة كغيرها من النساء ولا شيء يميزها عنهم،فتنزل قيمتها في نظره بعد أن تملكها الغرور والتكبر ويندم على ما قام به،فيرجع إلى أفروديت ويطلب منها أن ترجعها كما كانت تمثالا،وبعد أن ترجع لطبيعتها يقوم بكسر التمثال.
فلم يكن هذا النموذج مصدر الهام لفنان قبرص فقط،بل تحولت أسطورة بيجماليون إلى رمز الهام الكثير من المبدعين،أول من تحدث عنها في الأدب 'أوفيد' في قصصه 'المسخ'،ثم تناولها شعراء وأدباء من مختلف الآداب،منهم 'جون مارستون' في قصيدته' نفخ الروح في صورة بيجماليون'،ثم ملهاة "وليام شوبنك جلبير" 'بيجماليون"
كما استحوذت الأسطورة على اهتمام الأدباء المحدثين،ومن أشهر الأعمال الأدبية التي دارت حولها مسرحيتان أولاهما ملهاة إنجليزية ألّفها الكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو عام 1912م ، والمسرحية الثانية مأساة باللغة العربية كتبها الأديب المصري توفيق الحكيم عام 1940م.
مسرحية بجماليون لجورج برنارد شو
تدور أحداث المسرحية حول البروفسور 'هنري هيجينز' أستاذ علم الصوتيات، الذي يراهن صديقه 'الكولونيل بيكرنغ' على أنه يستطيع تدريب الفتاة الفقيرة 'إيليزا دولتيل'بائعة الورد الريفية المظهر والسوقية الكلام،إلى سيدة أرستقراطية لأداء دور دوقة في حفل يقام في حديقة السفير وذلك من خلال تعليمها أصول الأرستقراطية.
فيرى أن أهم ما يجب أن تتعلمه في هذه الأصول هو التحدث بشكل سليم،و خلال فترة نجحت اليزا في الاختبارات التي أجريت لها ويصطحبها 'هيجنز' ليقدمها إلى الحفل على أساس أنها دوقة دون أن يكشف سرها لأحد،و تتصرف 'اليزا' وتحسن التصرف كدوقة حقيقية ، نطقا و فهما و أناقة و يكسب بذلك هيغنز الرهان،و بعد ذلك انتبهت اليزا إلى أن الرجلين لا يقيمان أي وزن لدورها في النصر ، و أكثر ما يؤثر فيها موقف هيغنز حيث أنها بدأت تميل إليه ووقعت في غرامة من دون أن يلاحظ هو شيئا و أنة يتجاهلها تماما معتبرها مجرد مادة أجرى عليها اختبارا ناجحا،و بعد أن تيأس اليزا من قدرة هيغنز على فهم ما بها،وبعد أن صارت أكثر ثقة بنفسها و قدرة على مجابهة الحياة إلا أن تعلن أمامه بأنها ستتزوج شابا صديقا له هو'فريدي' الذي كان يطاردها منذ زمن بعيد ،كما أنها تعلن إنها لن تعود لبيع الزهور بل ستصبح أستاذة صوتيات مثله تماما بل سوف تنافسه في ذلك .
- فناقش برنارد شو عبر هذا السرد المسرحي قضايا متعددة منها ماهو ظاهر ومنها ماهو خفي جسدتها بطلة المسرحية
مسرحية بجماليون لتوفيق الحكيم
مسرحية فكرية ذهنية كما أشار توفيق الحكيم في أكثر من موضع في المسرحية،تدور حول الصراع بين الحياة والفن الأبدي متأثرا فيه بالأثر اليوناني والتراث العربي،وبعد مشاهدته للوحة 'بيجماليون'و'جالاتيا' في متحف اللوفر قبل 17 عام من تأليفه للمسرحية،ثم أعاد تذكيره بها مشاهدته لمسرحية ( بيجماليون ) لبرنارد شو في شريط من أشرطة السينما " عام 1938م . 2[1]
تبدأ بحراسة الفتى 'نرسيس' لتمثال جالاتيا الذي نحته الفنان بجماليون وهام به،و في أحد المرات بخروج نرسيس من القاعة يدخل إليها كل من إله الفن 'أبولون' وآلهة الجمال والحب 'فينوس' ويقع نظرها على التمثال ،لينبهرها بروعته الفنية وجماله البارع،وكان عملا وفرصة لتحدى 'أبولون' وتفاخره على فينوس لأنه من صنع بيد بشر هالك،وبعد مضي وقت يذهب بيجماليون متوسلا لفينوس أن تبعث الحياة في تمثال 'جالاتيا '،وتتحقق له رغبته وتصبح زوجته ،وحين تسأله عن عمله يخبرها أنه صانع تماثيل وأنه قد كسب أموالا كثيرة ليبتاع بها لزوجته هذه الجواهر والحلي والملابس الفخمة ويحدثها عن تمثاله الذي أودع فيه كل عبقريته الفنية ويصف لها جماله وروعته وحبه له ، مما يبعث الغيرة في قلبها وهي لا تعلم أنه يتحدث عنها،ثم تهجر زوجها وصانعها وتهرب إلى الغابة مع نرسيس،ليندم بجماليون على كل ما حدث حيث كانت جالاتيا تمثالا رائعا وهي الآن زوجه خائنه وهو يرى أن فينوس آلهة الحب سبب هذا كله فلولا استجابتها لندائه لما تحول تمثاله إلى امرأة يعتريها النقص بعد أن دبت فيها الحياة،ومنذ أن عادت جالاتيا من الغابة وهي تحاول أن تتودد إلى بجماليون ولكنها تحس بنفور شديد منه ،ويحس بجماليون بفتور شديد في علاقته بزوجته ومصدر ذلك أنه دائم التفكير في تحفته التي صنعها ،وهو دائم المقارنة بين تمثاله وبين زوجته حيث يتميز التمثال بجماله الخالد وزوجته تعاني من جمالها الفاني،وتحس جالاتيا أنها لم تعد في نظر زوجها إلا رمزا على الفناء والتشويه ، فتطلب منه أن يفترقا قبل أن يدركها الهرم والموت ،وما أن سمع بجماليون هذه الكلمات حتى دب الرعب في قلبه وحس أن تحفته الفنية توشك أن تضيع منه إلى الأبد فيذهب إلى المعبد ليطلب من فينوس أن تعيد إليه تمثاله وتأخذ زوجته،وتستجيب له الآلهة فتعيد جالاتيا إلى ما كانت عليه تمثالا لا حياة فيه ، ولكن بجماليون يندم فيعود فيطلب من الآلهة أن تعيد له زوجته ويظل هكذا حائرا بين الفن والحياة ، بين جالاتيا المرأة و جالاتيا التمثال حتى يقرر أن يحطم تمثاله الذي جلب له كل هذا العذاب ثم يموت .
نقاط التشابه
انطلاقا من نفس المصدر "الأسطورة اليونانية"
كلاهما نفس الجنس الأدبي 'المسرحية'
تشابها في عنوان المسرحية وحافظا على اسم الأسطورة أيضا
لجأ إليها لتوظيفها توظيفاً فنياً في معالجة قضايا اجتماعية وفكرية عصرية شغلت كلّ منهما في العقدين الثاني والرابع من القرن العشرين
بنا عملهما على فكرة التغيير والتحول.
كلاهما لم يختارا الإنسان بيجماليون برنارد شو فضل العلم وبيجماليون الحكيم فضل الفن
التقارب في بعض الأحداث هروب اليزا لفريدي وجالاتيا لنرسيس،والشخصيات أيضا وبناءها.
اعتمادهما الأسطورة كقناع ورمز لمعالجة قضايا معينة.
التقابل في الصراع الذي عايشه كل من بطلي المسرحيتين.
الاشتراك في فكرة المرأة الحب والنهاية غير السعيدة لهذا الحب.
تحديثهما للأسطورة وصبغتها بطابع عصريهما وقضاياه.
نقاط الاختلاف
مسرحية برنارد شو ملهاة و مسرحية الحكيم مأساة
مسرحية برنارد شو انتهجت المنهج الواقعي فالمجتمع الانجليزي مجتمع الطبقية والتمييز حتى في اللغة،أما مسرحية توفيق الحكيم كانت ذهنية فكرية
بيجماليون برنارد شو بني على موقف اجتماعي وفكر اشتراكي رافض للطبقية في مجتمعه أما بيجماليون الحكيم فاتخذ من الأسطورة تشيكلا فنيا وفكريا وذهنيا ورمزيا نموذج الإنسان الباحث عن الحقيقة من خلال الفن
مسرحية برنارد شو تعالج قضية الفن والحياة وبيجماليون الحكيم الفن والفن.
بيجماليون برنارد شو لم تتمسك بتفاصيل الأسطورة على عكس بيجماليون الحكيم.
مسرحية برنارد شو سار في حبكة واحدة نسخة من الحبكة الأصلية أما مسرحية الحكيم فأدمج حبكة ثانوية بالاضافة إلى الحبكة الأصلية 'بيجماليون وجالاتيا'.
برنارد شو لم يلتزم بالشخصيات الأسطورية والتسميات على عكس الحكيم.
شخصيات برنارد شو واقعية أما عند الحكيم فكانت أسطورية.
اختار برنارد شو عالم صوتيات بطلا لمسرحيته في حين توفيق الحكيم التزم ببطل الأسطورة الفنان النحات الموهوب والمنعزل
الصراع في مسرحية برنارد شو كان خارجيا أما عند الحكيم فكان داخليا
تجسد الصراع عند برنارد شو في شخصية 'اليزا'أما عند الحكيم فجسده البطل 'بيجماليون' فكان صراعا بين الإنسان ونفسه والإنسان والحقيقة والإنسان والزمن والإنسان والفن والفن والحياة ،أي بين مايريده الإنسان والفنان ويريد تحقيق المستحيل بجمعه بين الفني والواقعي.
انصف برنارد شو المرأة في مسرحيته في حين لم يستطع الحكيم
اتخذ بيجماليون من الأسطورة قناعا لفكرته الإشتراكية أما الحكيم من الأسطورة قالبا لفكرته الوجودية لذا اختلفا في النهاية