الاليات الإلكترونية للأعمال وسلطات ضبطها

مجلس المحاسبة

يعود تاريخ نشأة مجلس المحاسبة في الجزائر أول مرة غداة الاستقلال الى سنة 1976، وذلك بموجب المادة 190 من دستور 1976، والتي نصت على ما يلي " يؤسس مجلس محاسبة مكلف بالمراقبة اللاحقة لجميع النفقات العمومية للدولة والحزب والمجموعات المحلية والجهوية والمؤسسات الاشتراكية بجميع أنواعها. يرفع مجلس المحاسبة تقريرا سنويا إلى رئيس الجمهورية. يحدد القانون قواعد تنظيم هذا المجلس وطرق تسييره وجزاء تحقيقاته."

ولم يرى القانون المنصوص عليه بموجب المادة 190 السالفة الذكر النور الى سنة 1980 أي بعد حوالي خمسة (05) سنوات وإلى غاية الوقت الحاضر، عرف تطورات مستمرة ارتبطت بمختلف التحولات التي عرفتها البلاد في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية و قد شهد خلالها تطبيق ثلاثة قوانين أساسية أوجدت أنظمة قانونية متميزة عن بعضها البعض، انعكست على مكانة ودور مجلس المحاسبة، وانطلاقا من هذه القوانین السالفة الذكر، دأب بعض الباحثين المتخصصين في القانون العام منهم الأستاذ رشید خلوفي والاستاذ مسعود شيهوب . الى تقسيم مراجل تطور مجلس المحاسبة من منطلق معيار زمني مبني على متغيرات النصوص الناظمة له، والمتمثلة في ثلاثة مراحل أساسية، فالمرحلة الاولى كانت ما قبل صدور أول نص تشريعي لمجلس المحاسبة 80-05، ثم مرحلة ما بعد صدور هذا القانون الى غاية سنة 1995، وفي مرحلة ثالثة أي بعد صدور الأمر 95-20 الذي لا يزال ساري المفعول الى يومنا هذا .

ب- الإزدواجية الوظيفية لمجلس المحاسبة بين الإدارية والقضائية

يعتبر مجلس المحاسبة أحد أهم المؤسّسات الرّقابية العليا في الدّولة، والذي يهدف إلى المساهمة في تحقيق الحكم الراشد والشفافية في تسيير الاموال العمومية بما فيها أموال الجماعات المحلّية محل دراستنا هذه. هاته المؤسّسة التي إختلف الفقه في تحديد طبيعتها القانونية لاسيما وأنّ المُشرّع خول لها مهام رقابية إدارية وأخرى قضائية، هذا الإختلاق الذي يجرنا إلى البحث في تجليات الطابع الإداري لمجلس المحاسبة (1) ومن ثمّة تجليات الطابع القضائي لمجلس المحاسبة (2) .

1- تجليات الطابع الإداري لمجلس المحاسبة

لئن أقرّ التعديل الدستوري 2020 بالطبيعة القانونية لمجلس الدّولة والمحكمة العليا على أنّهما هيئات عمومية مقوّمة للأعمال القضائية الصادرة عن مختلف الجهات القضائية كل حسب إختصاصه فإنّ ذات المؤسس الدستوري كيّف مجلس المحاسبة على أنّه أحد مؤسّسات الدّولة الرّقابية المستقلة لكن دون الإشارة إلى طبيعة مهامه إن كانت إدارية أو قضائية. أمّا الطابع الإداري فنلمسه من خلال ما تضمنته المادة الثالثة (03) من الأمر 95-20، المتعلق بمجلس المحاسبة عندما عرّفت به على أساس أنّه " مجلس المحاسبة مؤسسة تتمتع باختصاص إداري...." وبالرجوع إلى التنظيم المؤسّساتي للأشخاص القانونية العامة المنصوص عليه بموجب أحكام المادة 49 من القانون المدني والذي حصرهم في: الدّولة الولاية البلدية، المؤسّسات العمومية ذات الطابع الإداري .

ومن هذا المنطلق، نجد أنّ تصنيف مجلس المحاسبة يأتي تحت المؤسّسات العمومية ذات الطابع الإداري نظراً لكون المادة 03 السالفة الذكر عرفته على أنّه مؤسّسة يتمتع باختصاص إداري، هذه الطبيعة القانونية التي تمُنح لمجلس المحاسبة مخرجات الشخصية القانونية التي تمنح لمجلس المحاسبة حسب المادة 50 من القانون المدني: الذمة المالية المستقلة، الأهلية، نائب يعبر عن إرادتها، حق التقاضي الموطن.

أمّا عن تبعية مجلس المحاسبة إداريا لمؤسسة رئاسة الجمهورية على حد وصف الكثير من المهتمين بالشأن المؤسّساتي، فهو أمر خاطئ، باعتبار المؤسّس الدستوري لم يصنّف المجلس على أنه أحد الهيئات الإستشارية لرئيس الجمهورية، ولم يصنّفه في الفصل الخاص برئيس الجمهورية، بل جاء تحت إطار المؤسّسات الرقابية على غرار المحكمة الدستورية وغيرها من المؤسّسات الرقابية.

2- تجليات الطابع القضائي لمجلس المحاسبة

لا تزال الصفة القضائية اللصيقة بمجلس المحاسبة محل إنتقادات بالرغم من إقرار المُشرّع صراحة بها في النصوص الناظمة لها، ومرد هذه الإنتقادات عدم إدراج المؤسّس الدستوري لمجلس المحاسبة ضمن أحكام الفصل الخاص بالقضاء وإكتفائه بالقضاء العادي والإداري فقط. لكن وبالرجوع إلى النصوص القانونية المنظّمة للمجلس نجدها أقرّت صراحة بهذا الإختصاص .

1.2- عدم إندراج مجلس المحاسبة تحت فصل القضاء بالدستور

بالرجوع إلى أحكام التعديل الدستوري الأخير لسنة 2020، لا سيما الفصل المتعلق بالقضاء والذي كان يسمى بالسلطة القضائية سابقا، نجد أنّ ذات الفصل لم يتضمن نهائيا القضاء المالي مثل ما تضمنه الدستور التونسي صراحة عند إقراره بثلاثة أنواع من الأقضية (عدلي، اداري، مالي) ، إذ اندرج مجلس المحاسبة تحت الباب المتعلق بالمؤسّسات الرقابية.

وباستقرائنا للمادة 199 المنشئة لمجلس المحاسبة، نجدها لم تتضمن في أحكامها أية صفة قضائية لهذه الهيئة الرقابية الأمر الذي يجعلنا نجزم على إنعدام الأساس الدستور القضائي للمجلس في الجزائر .

2.2- الإختصاص القضائي لمجلس المحاسبة على ضوء نصوصه القانونية

بالرجوع إلى المادة الثالثة (03) من الأمر 95-20، المتعلق بمجلس المحاسبة والتي عرفت الطبيعة القانونية للمجلس نجدها نصت على أنه:" مجلس المحاسبة مؤسسة تتمتع باختصاص إداري وقضائي في ممارسة المهام الموكلة إليه.."، هذه المادة التي تعتبر أول نص قانوني تؤكد الإختصاص القضائي لمجلس المحاسبة، هذا بالإضافة إلى تركيبة مجلس المحاسبة التقنية المشكلة من قضاة، بحيث يتكون المجلس من نفس التشكيلات الخاصّة بالقضاء العادي والإداري سيما من حيث:

 الرئاسة المتكونة من قضاة المجلس؛

 النيابة الممثلة بالنظارة العامة؛

 كتابة الضبط.

لئن كانت الإجراءات المتّبعة أمام مجلس المحاسبة تقريبا هي نفسها المتّبعة أمام القضاء العدلي والإداري، خاصة من حيث الدعاوي، والجلسات، والمخرجات المجسدة في قرارات قابلة للطعن باعادة المراجعة أمام ذات الهيئة وبالإستئناف أمام غرفها المجتمعة وبالنقض أمام مجلس الدّولة كما سنفصل فيه لاحقا، فانّ هذه المقاربات تبقى غير كافية لإعطائه الصفة القضائية، بسبب أن قرارات مجلس المحاسبة لا تصدر باسم الشعب مثل قرارات الأقضية العادية والادارية، بالإضافة إلى كون قضاة مجلس المحاسبة لا يخضعون للمجلس الأعلى للقضاء، وليس لهم قانون اساسي غير ذلك الخاص بالقضاء العادي، كما أنهم غير معنيين بتكوين المدارس العليا للقضاء.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)