عند المقارنين الغرب
تعددت تعريفاته واختلفت باختلاف مدارس وتيارات البحث في هذا الفرع المعرفي،فهناك من عده فرعا من فروع المعرفة والعلم ،وهو أيضا درس أكاديمي مختص في دراسة الأدب،أوصورة من صور النقد الأدبي والبحث في تاريخ الآداب وعلاقاتها ببعضها البعض،للكشف عن مواطن التأثر والتأثير بينها،والبحث عن ميادين الأخذ والعطاء والتبادل الفني والجمالي...
فنجد رائد المدرسة الفرنسية فرنسوا جويار يعرفه بأنه "تاريخ العلاقات الأدبية الدولية يتوقف الباحث المقارن عند الحدود اللغوية أو الوطنية ويراقب تبادل المواضيع والأفكار والكتب والمشاعر بين أدبين وأكثر" 3[1]
انطلاقا من مفهوم جويار نراه يركز على الجانب التاريخي في البحث المقارن ليؤكد على نقطة مهمة وهي التأكد من الصلة التاريخية بين هذه الآداب ليتم البحث عن مجالات التبادل بينها،وهو نمط من أنماط التواصل الإنساني للمجتمعات الدولية فيما بينها،فمثلما تبنى علاقات اقتصادية وسياسية تبنى أيضا علاقات أدبية،ومن شروط هذه العلاقة وشروط الباحث المقارن الاختلاف اللغوي وهو من أساسيات الانطلاق في المقارنة،التي حددها جويار في مصطلح 'المراقب' ليؤكد على منهجية البحث المقارن وموضوعيته فهو يراقب ليكشف عن ميادين التعاون والتبادل بين هذه الآداب،متجردا من ذاتيه الخاصة،وحدد هذه الميادين في أشكال أبرزها الموضوعات والأفكار والكتب.
ولا يختلف مفهوم جويار عن رؤية أصحاب المدرسة الفرنسية كثيرا أمثال فان تيجم الذي يرى أن المقارنة هي التقريب بين وقائع مختلفة ومتباعدة في غالب الأحيان وذلك رجاء استخلاص القوانين العامة التي تسيطر عليها والأدب المقارن الحقيقي يحاول ككل علم تاريخي أن يشمل أكبر عدد ممكن من الوقائع المختلفة الأصل حتي يزداد فهمه وتعليله لكل وحدة منها على حدة فهو يوسع أسس المعرفة كما يجد أسباب أكبر عدد ممكن من الوقائع" 4[2]
و فان تيقم يؤكد هو الآخر التاريخانية في هذا الفرع المعرفي ويعتبرها علما تاريخيا يتتبع حركة الأدب لتأصيل له،والبحث عن القوانين التي تتحكم فيه والكشف عن التغيرات التي تلحقه،وهنا نجد أن مفهوم الأدب المقارن لا ينفصل عن مدلول التاريخ الأدبي والنقد أيضا،وهل يعنى هذا أن الأدب المقارن هو محاولات نقدية أم أن هناك نتاج أدبي نطلق عليه الأدب المقارن؟،وتتداخل هنا وظيفة الناقد والمقارن أيضا.
أما فيلمان فقدم له تعريفا مغايرا في محاضراته في السربون عام 1828 ليجعله "تلك السرقات الأدبية التي تتبادلها كل الدول" 5[3] ،وهذا تصور يحمل قراءتين قد يقر بانغلاق الآداب عن بعضها البعض،وتمييزها باعتبار الحدود اللغوية والمكانية ليجعل من هذا التبادل سرقة،وكأنه يصرح بحقوق ملكية الموضوعات والأفكار لبيئة دون غيرها،وأي تناول له يعتبر سرقة للأصل،وهذا قول أيضا بالإقصاء،أو قد يكون ما يقصده أن عملية التبادل والتداخل بين الآداب يجعل الباحث المقارن في رحلة البحث عن الأصيل في الأدب من الدخيل،وعن المؤثرات الداخلية و الخارجية فيه، لأن ما اعتباره سرقات هو تبادل طبيعي بين الآداب وتداخل بينها بعدها جزءا من كتلة واحدة تمثل الأدب الإنساني عامة،وتساهم في إنماء هذا الحقل المعرفي،بل إن الأدب المقارن قد يتلاقى مع الأدب العالمي بهذا المفهوم وهذه الرؤية التي تحاول أن تجمع كل الآداب في أدب واحد من خلال تداخلهم وتشاركهم في ميادين ومجالات متعددة.