اشكالية المصطلحات والمفاهيم

المصطلح

بداية مصطلح "الأدب المقارن"هو ترجمة حرفية للمصطلح الفرنسي "La littérature comparée"، والمصطلح سابق للعلم إذ استخدم 'كوفييه' مصطلح "التشريح المقارن'عام 1800،وهناك اتفاق على أنه اكتسب اسمه من سلسلة كتب المقتطفات الأدبية الفرنسية التي كانت تستخدم في تدريس الأدب ونشرت عام 1812 تحت عنوان"مقرر في الأدب المقارن"،ومن الأوائل الذين استعملوا المصطلح عند الانجليز "ماثيو أرنولد" عام 1848 "(1).[1]

ووجدت في المقابل تسميات آخرى تم اقتراحها ممن رفضوا مصطلح "الأدب المقارن" ورفضوا فكرة اعتباره دراسة أكاديمية،وقدموا بدائل جديدة منها :

"تاريخ الأدب" الذي اقترحه "كروتشي"،فنظر إليه باعتباره دراسة تتبع حركية الأدب وتطوره في سياق تاريخي محدد للتقرير له،والبحث في متغيراتها الطبيعة التي تواكب مجريات الحياة ومجريات الحركة الابداعية والأدبية والنقدية أيضا،والظواهر والأحداث التي تؤثر على مسار الأدب،والكشف عن الاختلافات والتداخلات بين الأداب في مختلف أجناسها وتياراتها...فركز كروتشي من خلال هذا المصطلح على الجانب التاريخي والتأريخي للأدب فيتحول معه الباحث المقارن إلى مؤرخ أيضا.

ومن المقترحات الأخرى أيضا:"التاريخ المقارن للآداب" و "تاريخ الآداب المقارنة" و"التاريخ الأدبي المقارن" و "تاريخ الآداب المقارنة" و " الآداب الحديثة المقارنة" و "الآداب بالمقارنة"...

وهي تسميات تشترك في المنظور التاريخي والتأريخ للأدب لأن مجال الفكر المقارن البحث عن مواطن التبادل والأخذ والعطاء للبحث عن نقاط التأثر والتأثير بين الآداب للكشف عن الأصيل منها من الدخيل والكشف عن كيفية تداخل الآداب وتمازجها في بوتقة واحدة هي الأدب عامة،وتشترك في نقاط ثلات التاريخ ،والأدب، والمقارنة.

وفي مقابل هذا الرفض وعدم رضا الأوساط الأدبية عنه،نجد من دافع عنه وبشدة وأسس له و فضله واستخدمه منهم "فيلمان" سنة 1892 ،و"تشارلس ميلز جايلي" أحد مؤسسي الأدب المقارن في أمريكا الشمالية و "فرانسوا جوست" "الذي اعتبر الأدب المقارن أكثر من دراسة أكاديمية لأنه يقدم نظرة شاملة للأدب ولعالم الكتابة فيدرس البيئة البشرية ونظرة ادبية العالم ورؤية شاملة ووافية للكون الثقافي"( 2[2])

ففرض نفسه على الدارسين واستقرت هذه التسمية 'الأدب المقارن'دون غيرها بعد أن تمت بلورة تعريفه وصياغته من خلال جملة من التعاريف والمفاهيم المتعددة ،مفاهيم تباينت حسب تباين المدرسة أو الشخصية التي تقود هذا التيار أو ذاك من تيارات البحث المختلفة،فاكتسب مفهوما علميا محددا ولم يعد الكتاب والمؤلفون في تاريخ الآداب المختلفة يتساءلون.

المفاهيم

تعددت تعريفاته واختلفت باختلاف مدراس وتيارات البحث في هذا الفرع المعرفي،فهناك من عده فرعا من فروع المعرفة والعلم ،وهو أيضا درس أكاديمي مختص في دراسة الأدب،أوصورة من صور النقد الأدبي والبحث في تاريخ الأداب وعلاقاتها ببعضها البعض،للكشف عن مواطن التأثر والتأثير بينها،والبحث عن ميادين الأخذ والعطاء والتبادل الفني والجمالي...

فنجد رائد المدرسة الفرنسية فرنسوا جويار يعرفه بأنه "تاريخ العلاقات الأدبية الدولية يتوقف الباحث المقارن عند الحدود اللغوية أو الوطنية ويراقب تبادل المواضيع والأفكار والكتب والمشاعر بين أدبين وأكثر"( 3[3])

انطلاقا من مفهوم جويار نراه يركز على الجانب التاريخي في البحث المقارن ليؤكد على نقطة مهمة وهي التأكد من الصلة التاريخية بين هذه الأداب ليتم البحث عن مجالات التبادل بينها،وهونمط من أنماط التواصل الانساني للمجتمعات الدولية فيما بينها،فمثلما تبنى علاقات اقتصادية وسياسية تبنى أيضا علاقات أدبية،ومن شروط هذه العلاقة وشروط الباحث المقارن الاختلاف اللغوي وهو من أساسيات الانطلاق في المقارنة،التي حددها جويار في مصطلح 'المراقب' ليؤكد على منهجية البحث المقارن وموضوعيته فهو يراقب ليكشف عن ميادين التعاون والتبادل بين هذه الآداب،متجردا من ذاتيه الخاصة،وحدد هذه الميادين في أشكال أبرزها الموضوعات والأفكار والكتب.

ولا يختلف مفهوم جويار عن رؤية أصحاب المدرسة الفرنسية كثيرا أمثال فان تيجم الذي يرى أن المقارنة هي التقريب بين وقائع مختلفة ومتباعدة في غالب الأحيان وذلك رجاء استخلاص القوانين العامة التي تسيطر عليها والأدب المقارن الحقيقي يحاول ككل علم تاريخي أن يشمل أكبر عدد ممكن من الوقائع المختلفة الأصل حتي يزداد فهمه وتعليله لكل وحدة منها على حدة فهو يوسع أسس المعرفة كما يجد أسباب أكبر عدد ممكن من الوقائع"( 4[4])

،و فان تيقم يؤكد هو الآخر التاريخانية في هذا الفرع المعرفى ويعتبرها علما تاريخيا يتتبع حركة الأدب لتأصيل له،والبحث عن القوانين التي تتحكم فيه والكشف عن التغيرات التي تلحقه،وهنا نجد أن مفهوم الأدب المقارن لاينفصل عن مدلول التاريخ الأدبي والنقد أيضا،وهل يعنى هذا أن الأدب المقارن هو محاولات نقدية أم أن هناك نتاج أدبي نطلق عليه الأدب المقارن؟،وتتداخل هنا وظيفة الناقد والمقارن أيضا.

أما فيلمان فقدم له تعريفا مغايرا في محاضراته في السربون عام 1828 ليجعله "تلك السرقات الأدبية التي تتبادلها كل الدول"( 5[5])

وهذا تصور يحمل قراءتين قد يقر بانغلاق الآداب عن بعضها البعض،وتمييزها باعتبار الحدود اللغوية والمكانية ليجعل من هذا التبادل سرقة،وكأنه يصرح بحقوق ملكية الموضوعات والأفكار لبيئة دون غيرها،وأي تناول له يعتبر سرقة للأصل،وهذا قول أيضا بالاقصاء،أو قد يكون مايقصده أن عملية التبادل والتداخل بين الآداب يجعل الباحث المقارن في رحلة البحث عن الأصيل في الأدب من الدخيل،وعن المؤثرات الداخلية والجارجية فيه، لأن ما اعتباره سرقات هو تبادل طبيعي بين الآداب وتداخل بينها بعدها جزءا من كتلة واحدة تمثل الأدب الإنساني عامة،وتساهم في انماء هذا الحقل المعرفي،بل إن الأدب المقارن قد يتلاقى مع الأدب العالمي بهذا المفهوم وهذه الرؤية التي تحاول أن تجمع كل الآداب في أدب واحد من خلال تداخلهم وتشاركهم في ميادين ومجالات متعددة.

ويعرفه الدكتور محمد غنيمي هلال بأنه "دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب، الخارجية عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها."( 6[6])

ورؤيته لا تختلف عن الفكرة الفرنسية القائلة بالتاريخانية بتتبع حركية الأدب القومي وعلاقاته بغيره من الآداب الآخرى التي تختلف عنه لغة وصغة.

حاول ابراهيم عوض جمع مجموعة المفاهيم والتعريفات للأدب المقارن في تعريف شامل من خلال المفهوم الذي جاء عند جويار،طاهر أحمد مكي ،طه ندى فهو " فرع من فروع المعرفة يتناول المقارنة بين أدبين أو أكثر ينتمي كل منهما إلى أمة غير الأمة أو القومية التي ينتمي إليها الأدب الآخر وفي العادة إلى لغة غير اللغة التي ينتمي إليها أيضا. وقد تكون المقارنة بين عنصر واحد أو أكثر من عناصر أدب قومي ما ونظيره في غيره من الآداب القومية الآخرى،بغية الوقوف على مناطق التشابه والاختلاف بين الآداب ومعرفة العوامل المسؤولة عن ذلك.وقد يكون هدفها كشف الصلات التي بينها وإبراز تأثير أحدها في غيره من الآداب .والموازنة الفنية أو المضمونية بينهما،وقد يكون هدفها معرفة الصورة التي ارتسمت في ذهن أمة من الأمم من خلال أدبها،وقد يكون هدفها تتبع نزعة أو تيار ما عبر عدة آداب..."( 7[7])

فالأدب المقارن إذا هو دراسة الأدب القومي وتتبع علاقاته مع غيره من الآداب الآخرى ،التي تختلف عنه في لغة ومحيط الابداع، ،للكشف عن صلاته معها من خلال علاقة التبادل وينكشف هذا الأمر من خلال عمليتي التأثير والتأثر،فهو يتجاوز الموازنة والمفاضلة ليتعداها للكشف عن المؤثرات والظواهر التي تساهم في تشكل الأدب وتحديد ماهيته،وأيضا تنقل وانتقال في مجالات وميادين عدة تبدأ بجنس أدبي لتصل لفكرة أو شعور أو حتى انعكاس لصورة أحدهما في آدب الآخر...،لذا تشترط الدراسة المقارنة الاختلاف في اللغة واثبات صلة تأثر أحدهما بالآخر لأن الأعمال الأدبية التي تكتب بلغة واحدة لا تدخل ضمن المجال المقارن كتأثر الحريري في مقاماته بالهمذاني مثلا.

  1. 1

    باسنيت سوزان:الأدب المقارن،ترجمة:أميرة حسن نويرة،المجلس الأعلى للثقافة،دط،1999، ص17. ورينيه ويليك،اوستن وارن:نظرية الأدب،تعريب:عادل سلامة،دار المريخ،السعودية،1992،،ص67.

  2. 2

    باسنيت سوزان:الأدب المقارن ص8

  3. 3

    فرنسوا غويار:الأدب المقارن،ترجمة:هنري زغيب،منشورات عويدات،بيروت،ط2 ،1988،ص16

  4. 4

    صابر عبد الدايم:الأدب المقارن بين التراث والمعاصرة،ط 2 ،2003، ص11

  5. 5

    محمد غنيمي هلال:الأدب المقارن،نهضة مصرـط3 ، 2003،ص14.

  6. 6

    محمد غنيمي هلال:الأدب المقارن،دار العودة ودار الثقافة،بيروت لبنان،1981 ،ص6

  7. 7

    ابراهيم عوض:في الأدب المقارن،المنار للطباعة والكمبيوتر،دط،2006،ص7.طه ندا:الأدب المقارن،دار النهضة العربية،مصر،1991،ص 20.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)