Faculty of Letters and Languages

 

الافتتاحيّة

رؤى فكرية… خطى ثابتة

 

     وها نحن أخيرا نستعدّ لإعداد الإصدار الخامس من مجلّتنا العلميّة “رؤى فكريّة” التي بدأت مشوارَها قبل سنتيْن بإمكاناتٍ متواضعةٍ، وتحدِّياتٍ كبيرةٍ، صمدت أمامها جميعا، وواصلتْ مشروعَها العلميّ الطموحَ بخطى ثابتة، وعزمٍ حثيثٍ، ونزوعٍ أكاديميّ صادقٍ نحو تكريس الأفضل وتوخّيه.

      ها نحن نطلّ على قرّائنا من جديدٍ، بعددٍ جديدٍ، تتنوّع موادُّه، وتتعدّد تخصّصاتُه، متراوحةً بين الأبحاث الشعريّة؛ كالبحث في الحكمة الإنسانيّة والمثاليّة في شعر الخنساء، والبحث في خصوصيّة الخطاب الصوفيّ وتراوحه بين إشكالية الرمز وأفق التلقي، وتجلّيات السؤال الفلسفي في النـــص الشـــعري الحـــداثي، وقصيدة الحداثة وقد تداخل فيها الغنائيّ بالدراميّ وتضافرا.

     والأبحاثِ السرديّة، التي بدت من خلال بحثيْن؛ أحدهما عن خطاب الأزمة، وانعكاس المأساة الوطنية والتحولات السياسية على رواية جيل الشباب الجزائريّة، والثاني عن بنية النص القصصي وجمالياته عند القاصّ والروائيّ المغربيّ مبارك ربيع.                                                           والأبحاث المنفتحة على الآخر، والساعية نحو تأمّل خطابه، وكشف تناقضاته، من خلال البحث عن تجليّات مدينة القدس وملامح حضورها في نماذج منتقاة من الشعر العبري، والبحث – في خطّ مقابلٍ – عن ثغرات الخطاب الكولونياليّ ونسقه المنغلق والرافض أيَّ تواصلٍ أو حوار، وهذا باتخاذ مسرحيّة “الاغتصاب” لسعد الله ونوس نموذجا ومثالا.

     وكان للأبحاث البلاغيّة والتراثيّة اللغويّة حضورها أيضا؛ فكان البحث عن حركات اليد ودلالاتها البلاغية في التعبير القرآني، والبحث عن صناعة الكتابة في العصر المملوكي بين ابن الأثير والصفدي، وظاهرة الإدغام في معلقة امرئ القيس وأثرها في موسيقاها الشعرية المميّزة.

وخُتِم العددُ ببحثٍ مترجَمٍ عن أسطورة “فيدرا”(Phèdre) المرأة الجامحة الأهواء، والمحرّضة دوما على الجدل والسؤال.

     ومواصلةً لما اعتدناه في غلاف كلِّ عددٍ من احتفاءٍ بالفنِّ والجمال، فقد أتى غلافُ هذا العدد على غرار سابقيه موشّحا بلوحةٍ فنيّة جميلة ومميّزة للفنّان الجزائريّ العالميّ “حسين زياني” المقيم في ستراسبورغ، الذي أهدانا لوحته الرائعة هذه بكرمٍ إبداعيٍّ نبيلٍ، لم يكن غريبا على نفسه الكبيرة، وروحه السامية المعطاء. فشكرا لكَ مبدعنا الكريم، وبوركت جهودُك الطيّبة في إثراء منبرنا الفتيّ ودعمه.

    عنوانُ لوحتنا الفنيّة هذه: “الملكة تين هينان”(La reine Tin-Hinan) بتقنيّة الزيت على القماش (Peinture à huile sur toile, 2007) وتدور حول أسطورة ملكة الطوارق وأمهم الروحيّة؛ المرأة الأسطوريّة، الخارقة، التي جمعت بين الجمال الفائق والهمّة العالية، فقادت الرجال، وأسّست مملكةً عظيمةً، وجمعت بين الشدّة والشجاعة، فصدّت جميعَ الغزاة والطامعين في أرضها، والرقة والوداعة، فكانت الغزلانُ والحمائمُ وقطعانُ النّوق تأنس بها، وتطمئنّ إلى حضورها.

ولعلّ أهمّ ما يميّز لوحتنا هذه محلّيّة موضوعها، ولصوقها الحميمُ بخصوصيّات بيئتنا الصحراويّة الغائرة الأسرار، وكذا لمستُها الواقعيّة من جهة، ومرجعيّتها الأسطوريّة/ السحريّة من جهةٍ ثانية، ممّا شكّل عاملَ جذبٍ كبيرٍ في أعمال هذا الفنّان الجزائريّ الذي اقتحم الذائقة الغربيّة وطوّعها بريشته المبدعة، واختياراته المحليّة الحميمة، التي تحاور الآخرَ، وتوجه وعيَه نحو عبقريّة بيئتنا الشرقيّة وملامح الألق والتميّز فيها.

وهي ميزة نسجّلها في أعمال أخرى له مثل: “القافلة”(La caravane) و”الخيّال الأزرق”(Le Cavalier bleu) و”سوق البرتقال”(Marché aux oranges)  و”كرزة الطاووس”(La Cerise du Paon) و”الخيّال النوميديّ”(Le Cavalier Numide) و”الرسالة”(La Missive) وغيرها.

     ولا يسعنا ونحن نستأنف هذه المرحلة المفصليّة من مراحل مشوارنا العلميّ المفعَم بالتحدّيات والتطلّعات كليْهما، سوى أن نجدّد شكرَنا وتقديرنا لأساتذتنا الأفاضل أعضاء اللجنتيْن: العلميّة والاستشاريّة الذين لم يدّخروا جهدا في سبيل إثراء الموادّ البحثيّة والارتقاء بها بملاحظاتهم المنهجيّة الرصينة، وتوجيهاتهم العلميّة الدقيقة، والذين لولا تعاونهم الكريم، وإيثارهم النبيل لما استطعنا الوصول إلى ما نحن عليه اليوم.

ونجدّد دعوتنا للباحثين الجادّين من داخل الوطن وخارجه لإثراء مجلّتنا ببحوثهم الرصينة في المجالات المعرفيّة التي تتيحها سياسة النشر، كما ندعوهم إلى مشاركتنا فرحة الاحتفاء بالمبدع العربيّ الكبير: “جبرا إبراهيم جبرا” الذي سيكون محورَ العدد القادم، الذي نرجوه احتفاءً جزائريّا خالصا بقامةٍ عربيّة/ فلسطينيّة استثنائيّة الأثر والحضور.

ختاما، تقبّلوا تحيّاتنا الخالصة… بكم، ومعكم نستمرّ… معا… جميعا في سبيل بحثٍ علميّ راقٍ ورصين.

 

رئيسة التحرير

د. بهاء ين نوار

الفهرس

كلمة رئيسة التحرير………………………………………………………………05

1- د. طـه غالب طـه

الحكمة الإنسانيّة والمثاليّة في شعر الخنساء؛ استبصار استقرائيّ في التيمات والتقانات……………..09

2- د. عز الدين المعتصم                                                                                                                          الخطاب الشعري الصوفي بين إشكالية الرمز وأفق التلقي…………………………………….40

3- أ.م.د. إسراء حسين جابر وأ.م.د. صفاء عبيد الحفيظ

تمظهرات السؤال الفلسفي في النـــص الشـــعري الحـــداثي……………………………………..59

4- د. بوعيشة بوعمارة:

قصيدة الحداثة من الغنائية إلى الدرامية .. نحو قصيدة متكاملة……………………………….79

5- د. غنية بوحرة:

انعكاس المأساة الوطنية والتحولات السياسية على رواية جيل الشباب…………………………99

6- د.المهدي لعرج:

بنية النص القصصي وجمالياته عند مبارك ربيع…………………………………………..124

7- د. غانم مزعل:

مدينة القدس في الشعر العبري: قراءة في نماذج منتقاة…………………………………….151

8- د. هشام بن الهاشمي:

سعد الله ونوس في ضوء النقد ما بعد الكولونيالي: مسرحية “الاغتصاب” نموذجا……………….178

9- د. بشرى عبد المجيد تاكفراست:

حركات اليد ودلالاتها البلاغية في التعبير القرآني…………………………………………199

10- أ- ريان عبد المجيد جلول:

صناعة الكتابة في العصر المملوكي بين ابن الأثير والصفدي………………………………..221

11- د. عبد الرؤوف خريوش و د. زهير إبراهيم:

ظاهرة الإدغام في معلقة امرئ القيس وأثرها في موسيقاها الشعرية……………………………241

12- د.سامية عليوي: (ترجمة)

أسطورة فيدرا (Phèdre)  لبرنارد بونيوBernard Beugnot ………………………..271