Résumé

إن علميّة العلوم الاجتماعية تطرح على مستوى الصرامة العلمية، وعلى مستوى الحتمية مجموعة من التساؤلات التي تتردد في أذهان الباحثين والمتخصصين أسئلة إيبستمولوجية، تكاد تعصف بالكثيرين في دوامة شك متزايد يصل إلى حد التشكيك بل اليقين على أنها ليست علوما بالمعنى الحقيقي للكلمة، فنجد الدارس وحتى المتمرّس في هذه العلوم يجد مختلف التسميات بأشكالها وفروعها ومفاهيمها، نجده لا يتوغّل في حقيقة هذه العلوم، ولا يحاول مجرّد التساؤل بينه وبين نفسه وتصوراته في حقيقة ما يدرسه وما يقدمّه كمادة علمية للآخرين، في قطيعة بينه وبين ذاته المتسائلة عن هويّة العلوم الاجتماعية، وعن اشكالياتها، في عملية فكريّة معقدة، مكوّنة بين فكرتين أساسيتين، أولها هي أن المتخصص والمشتغل في حقول العلوم الاجتماعية يدرك جيدا ما تعنيه الظاهرة العلمية، وما هي خصائصها ومميّزاتها بعيدا عن الفكر والفلسفة ... يدرك جيّدا طبيعة كلمة "علم" وما تحمل من دلالات قويّة وواضحة، والثانية كونه يدرك حقيقة الظاهرة الاجتماعية وما يكتنفها من جدل حول التغيّر والنسبية وعدم الاستقرار والثبات، فتبدو العمليّة معقّدة في إسقاط المفهوم الأول على الثاني، وإسناد متغيّر "علم" إلى متغير "ظاهرة اجتماعية"، فيبدو –ربما- الدخول في دراسة علاقة تركيبية بينهما ضرب من ضروب إقحام الذات في دائرة شك إن لم نقل خوف من صعوبة التصور التركيبي للمفهومين، فتلجأ الذات الباحثة للهروب من التفكير في هذه العلاقة، بينما تبقى العلاقة قائمة تطرح تساؤلاتها على نفسها وتظهر بين الفينة والأخرى للذات الباحثة، وتفرض نفسها في مجال إيبستمولوجيا العلوم الاجتماعية، والتي تبحث وتنقد كل جزئياتها وتفاصيلها ومناهجها ومسلماتها، في عملية تسهم كثيرا في بناء تصورات جديدة، بل ومقاربات نظرية جديدة، وجديرة بفهم الواقع الاجتماعي بل وفهم كل الميكانزمات والآليات التي تستطيع تغيره وتوجيهه وفهمه.
إنّ الانغماس بشكل ميداني وتجريبي في دراسة الظاهر الطبيعية وعلوم المادة والبيولوجيا وغيرها من العلوم التجريبية والرياضيات، من شأنه أن يعطي صبغة الصرامة العلمية والدقّة والموضوعية لتصورات الباحث وفكره وتجاربه، بل تفسير كل ما يحيط به، لذلك نجد الكثيرين ممن أبدعوا في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وكان مردودهم العلمي والمنهجي بمثابة ثورة منهجية، فنجد على سبيل المثال لا الحصر بارطلونفي Ludwig von Bertalanffy وغاسطون باشلار Gaston Bachelard فالأوّل درس العلوم الطبيعية والخلايا والتبادل والانقسام الخلوي واستخرج منها مقاربات استطاع توظيفها في علم الاجتماع عن طريق إسقاط مفهوم الخلية على النسق الاجتماعي ومن ثمة التنظير للتبادل بين الأنساق بدل الخلايا، والانقسام في النسق بدل الخلايا أيضا، والتكيف وغيرها من فكر أسّس لنظرية كبرى في علم الاجتماع سُميت النسقية.
أما رائد الفلسفة العلمية غاسطون باشلار فقد تكلم عن الكثير من الجزئيات التي يشير فيها بصيغة غير مباشرة تارة ومباشرة تارة أخرى عن تطبيق هذه المناهج الموجودة في العلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياء والرياضيات على العلوم الاجتماعية، بل اعتبر أن تطبيق هذه المناهج على العلوم الاجتماعية أسهل من غيرها، لأن غيرها يتعامل مع مادة جامدة تتغير إلا بإضافة أبعاد أو مؤشرات، أما الإنسان فهو المادة التي يمكن التجريب عليها وملاحظة سلوكاتها بإدخال تلك المؤشرات.
إنّ ذلك الكلام المستهلك الذي يشير إلى أن كل فكر يملك "موضوع" و "منهج" فهو علم !!!!! هو كلام عاري من الصّحة وكلام ساذج لا يخرج إلا من أفواه لا تفهم ما معنى العلم أصلا، فالفلسفة لها منهج وموضوع ومع ذلك فهي ليست علم.
إنّ الفيصل الوحيد بين حيزي الفلسفة والعلم هو "القانون"، وكل دراسة لا تحتوي على قانون فهي دراسة فلسفية أو فكرية خالية من العلميةـ، فالقانون هو القاعدة الثابتة التي تُدير الظواهر وتقرأها، فإن توفرت نفس الأسباب أدت حتما إلى نفس النتائج.

Information

Item Type:	Journal
Divisions:
ePrint ID:	1628
Date Deposited:	2018-12-19
Further Information:	Google Scholar
URI:	https://www.univ-soukahras.dz/fr/publication/article/1628

BibTex